يتقدّم ملف قانون الانتخاب إلى صدارة النقاش السّياسيّ مع اقتراب المهل الإجرائيّة، وتحوّل اقتراع غير المقيمين إلى محور الاشتباك الأبرز: هل يَنتخب المغتربون “النواب الـ128” كما حصل عمليًّا في 2022، أم تُفعَّل الدائرة الاغترابيّة ذات “الستة مقاعد” المنصوص عليها في القانون؟ في الخلفية، تقف حكومة الرئيس نواف سلام ورئاسة الجمهوريّة عند حدود “تشخيص الثغرات”، ورمي المعالجة التشريعيّة إلى مجلس النواب، في حين تتكثّف اجتماعات اللجنة الفرعيّة برئاسة نائب الرئيس إلياس بو صعب لتلقّف سيل الاقتراحات..
بين “الـ128″ و”الستة”: سرديّتان متقابلتان
تضغط “القوّات اللّبنانيّة” و”الكتائب” لتعديلٍ فوري يثبّت حقّ غير المقيمين بالاقتراع “لكامل مجلس النواب”، معتبرتَين أنّ أيّ تراجع نحو “الدائرة الاغترابيّة”، سيعيد إنتاج خلّل تمثيليّ. رئيس حزب “القوّات اللّبنانيّة” سمير جعجع خاطب رئيس مجلس النواب نبيه برّي قائلًا: “جاهزون لمناقشة أي اقتراح لديكم، بشرط واحد: ألّا تتحوّل اللجنة الفرعية إلى مقبرة للمشاريع”، وساجل ما يراه “تناقضًا” في تبرير حصر الاقتراع بست دوائر خارجية. بالتوازي مع ذلك، كشف غسان حاصباني أنّ وزراء “القوات” دفعوا داخل الحكومة بمشروع لإلغاء المادة 112 الخاصة بحصر التمثيل بستة مقاعد، من دون أن يمرّ..
على الضفة المقابلة، يتمسّك فريق واسع، يضمّ “الثنائي الشيعي” وحلفاءه، بتفعيل ما نصّ عليه القانون لجهة مقاعد غير المقيمين، بحجّة “عدم تكافؤ الفرص” في دولٍ تُضيّق على أطراف بعينها. كما أنّ تعميم اقتراع الخارج للـ128 يُحدث انحيازًا لا يستطيع الداخل معادلته. هذا الخطاب ترافق مع طرحٍ إصلاحي أوسع يتبنّاه النائب علي حسن خليل، يقوم على “لبنان دائرة واحدة” و”مجلس شيوخ” مع “مجلس نواب خارج القيد الطائفي”، باعتباره الطريق البنيوي لمعالجة اختلالات التمثيل، لا القصّ واللصق في مواد الاغتراب فقط. .
اللجنة الفرعية: إدارة ازدحام الاقتراحات
عمليًّا، استوعبت اللجنة الفرعية كرة النار: أُحيل إليها اقتراح “المعجّل المكرّر” الذي وقّعه عشرات النواب لتثبيت اقتراع الـ128 من الخارج، إلى جانب رُزْم أخرى بينها “لبنان دائرة واحدة”، و”المشروع الأرثوذكسي”، وإنشاء “مجلس الشيوخ”. بو صعب شدّد بعد جلسة 11 أيلول على أنّ أي قانون “يجب أن يحظى بالتوافق الوطني”، ونُقل إليه أن الحكومة باشرَت الاستعدادات لتطبيق القانون النافذ، بدءًا من تسجيل غير المقيمين “ابتداءً من 15 أيلول”، في إشارة إلى سباقٍ بين مساري التنفيذ والتعديل.
حكوميًّا، خلاصة التقارير أنّ “إشكالية اقتراع المغتربين” نفسها تستدعي تعديلًا تشريعيًا، إذا ارتُئي الإبقاء على الصيغة التي اعتُمِدت في 2022، وأنّ أجزاءً لوجستية وتقنية (ومنها ما يتّصل بالميغاسنتر) لا تزال غير محسومة. وعليه، رُفِعَت الملاحظات إلى البرلمان عبر وزير الداخلية، مع ميلٍ واضح إلى “تطبيق القانون الراهن كما هو” ما لم يُقرّ تعديل.
القانون نفسه… ماذا يقول؟
القانون 44/2017 خصّص بابًا لاقتراع غير المقيمين: المادة 111 تُجيز اقتراعهم في بعثات لبنان، والمادة 112 تنظّم ترشّحهم، في حين نصّت مواد لاحقة (ومنها 116 وما يليها) على تفاصيل القوائم والإجراءات بالتنسيق بين وزارتي الداخلية والخارجية. أما “الدائرة السادسة عشرة” بستة مقاعد (ثلاثة مسيحيين وثلاثة مسلمين) فتقع في صلب مادة النزاع، بين مَن يطالب بتفعيلها ومَن يريد تثبيت الاقتراع في الدوائر الأم “للـ128”.
في الشارع، ظهرت حركات مطلبية تدافع عن “صوت المنتشرين”، كان آخرها تحرّكات بعنوان “نستحق رأيًا” لتأكيد حقّ التأثير في توازنات الداخل. ومع اقتراب المهَل، يزداد الضغط على رئاسة المجلس لحسم: تصويت عام على أحد الاقتراحات، أم تمديد عمل اللجنة، أم الذهاب إلى الاستحقاق بقانون 2017 كما هو.
يتلخّص السجال في معادلة بسيطة معقّدة: فريقٌ يرى في “اقتراع الـ128 من الخارج” تعويضًا تمثيليًا ومساواة بين المواطنين، وآخر يخشى “اختلال التنافس” في بيئات غير محايدة، ويقترح بدلًا من ذلك انتقالًا أكبر نحو “مجلس شيوخ” و”نواب خارج القيد الطائفي” ينزع الطابع الفجّ عن الصراع العددي. وبينهما، حكومةٌ تُمسك بزِمام الجهوزية الإدارية، وتُحيل القرار السياسي إلى مجلس النواب. ما سيحكم المسار ليس قوّة الحجج فحسب؛ بل أيضًا رزنامة المهل: إمّا تسوية تشريعيّة سريعة تُحسَم فيها “عُقدة الاغتراب”، أو انتخابات وفق القانون النافذ، مع ما يعنيه ذلك من استمرار الاشتباك إلى ما بعد صناديق الاقتراع.
بتول يزبك – المدن