اسامة القادري – مناشير
رغم مشاهد الدمار الهائل الذي خلّفه العدوان الإسرائيلي في القرى الأمامية من الجنوب، لم تتبدّل ملامح المشهد الانتخابي في دائرة الجنوب الثالثة بشكل جوهري. وكأن الزلزال السياسي لا يزال مؤجلاً بانتظار نضوج التوقيت الإقليمي والدولي. ومع اقتراب الاستحقاق النيابي المنتظر – وإن لم يُعلن رسميًا بعد – بدأت حرارة الحراك السياسي ترتفع تدريجيًا، وسط ملامح معركة شديدة التعقيد، تجمع بين ثبات “الثنائي الشيعي” وتشرذم معارضيه، وتباعد القوى الخارجة من رحم انتفاضة 17 تشرين.
دائرة الجنوب الثالثة – التي تضم أقضية مرجعيون، حاصبيا، النبطية وبنت جبيل – تعود إلى الواجهة الانتخابية لكونها الوحيدة في الجنوب التي شهدت خروقات في دورة 2022، مع فوز النائبين إلياس جرادي (أرثوذكسي) وفراس حمدان (درزي) على لوائح “الثنائي”. هذه السابقة تركت أثرًا لا يُستهان به، لكن تكرارها لن يكون مضمونًا، في ظل قانون انتخابي يُثقل كاهل المعارضين، ويفرض حاجزًا مرتفعًا للحاصل الانتخابي يتجاوز 22 ألف صوت، ما يعقّد مهمة أي لائحة خارج عباءة “الثنائي”.
الثنائي الشيعي: ترشيحات ثابتة و”انفتاح محسوب”
تشير المعطيات المتداولة إلى نية “الثنائي الشيعي” تثبيت ترشيحاته السابقة، من دون تعديل يُذكر. فـ”حركة أمل” ستعيد ترشيح النائب علي حسن خليل، و”حزب الله” سيُجدّد العهد للنائب علي فياض. كذلك، يبدو أن النائب قاسم هاشم سيبقى ممثلًا للمقعد السني باسم “أمل”.
المفاجأة قد تأتي من بوابة الانفتاح على بعض الشخصيات المستقلة، حيث تتحدث بعض المصادر عن محاولة ضم النائب إلياس جرادي إلى لائحة “الثنائي”، في محاولة لإعطاء اللائحة طابعًا أكثر “تنوعًا”، وامتصاص الزخم المعارض عبر احتضان بعض رموزه.
وفي المقعد الدرزي، يُطرح اسم الوزير السابق مروان خير الدين مجددًا، بعد خسارته أمام فراس حمدان في الدورة السابقة، في ما يبدو إصرارًا من “الثنائي” على استعادة المقعد.
المقعد السني: ساحة تجاذب سعودي-مستقبلي
المعركة على المقعد السني تبدو مفتوحة على أكثر من احتمال. فعدد من الشخصيات بدأت فعليًا بإطلاق حراكها، أبرزهم:
خالد سويد: رجل أعمال من قرى العرقوب، ينشط في الميدان الإنساني والخدماتي.
عماد الخطيب: وجه خدماتي معروف في المنطقة، ومرشح تيار المستقبل في انتخابات 2018
الدكتور زياد ظاهر: يُحسب على “تيار المستقبل”، وحاضر في نشاط جمعيات تنموية.
لكن الأبرز كان ما سُرّب عن تكليف سعودي غير معلن للنائب وائل أبو فاعور بإدارة هذا الملف بالتنسيق مع “القوات اللبنانية”، في إطار تحالف انتخابي محتمل معارض للثنائي في قضاءي مرجعيون وحاصبيا. هذه التسريبات أثارت امتعاضًا في بعض الأوساط السنية التي رأت في الأمر تجاوزًا للخصوصية المحلية، لا سيما أن أبا فاعور ليس ابن المنطقة سنيًا أو انتخابيًا.
رغم ذلك، سارع مصدر رسمي في السفارة السعودية إلى نفي أي تدخل مباشر، مشددًا على أن “الانتخابات شأن لبناني داخلي”، وأن “المملكة لا تتبنى أي مرشح، بل تأمل أن يفوز الاستقرار”.
وتقول اوساط متابعة في الشأن الانتخابي ان الاحزاب والشخصيات المستفيدة من غياب تيار المستقبل هي من تشيع اخبار لا صحة لها عن ان السفير السعودي كلف حزبي القوات والاشتراكي بتسمية المرشحين السنة، ليحدث ذلك واقعا يعرقل عودة المستقبل الى السياسة وخوض الانتخابات.
“المستقبل”: عودة صامتة… ولائحة مستقلة؟
في المقابل، يُنقل عن مصادر قيادية في “تيار المستقبل” أن التيار يستعد لتشكيل لائحة من المستقلين في هذه الدائرة، من دون الدخول في تحالفات سياسية واضحة، في محاولة لإعادة التموضع تدريجيًا، وإعادة تثبيت حضوره الشعبي، بعد مرحلة من التراجع التنظيمي والسياسي.
لكن هذه العودة لا تزال في بدايتها، بانتظار بلورة الرؤية داخل التيار، خاصة في ظل غياب الرئيس سعد الحريري عن المشهد السياسي المباشر، وترقب مدى استعداده لدعم هذه العودة من بعيد.
المعارضة: فراس حمدان وحيدًا؟
على ضفة قوى “التغيير”، بدأ النائب فراس حمدان استعداداته مبكرًا، معلنًا نيته خوض المعركة مجددًا عن المقعد الدرزي، بدعم من مجموعات شبابية وعدد من الناشطين في قرى العرقوب. لكن غياب تحالف موحد لقوى المعارضة، وتعدد المبادرات والمرشحين، قد يُضعف فرص الخرق مجددًا.
في هذا السياق، يبرز اسم الصحافي محمد بركات كمرشح شيعي مستقل، يطمح إلى تقديم نموذج سياسي مختلف، لكنه يصطدم بواقع صعب، يتمثل في استحالة الوصول إلى الحاصل من دون تحالفات عابرة للطوائف.
الصالونات السياسية في بيروت بدأت تشهد لقاءات وتواصلاً مع شخصيات جنوبية راغبة بخوض المعركة، لكن لا تزال الصورة غير مكتملة، وسط غياب التمويل والتنسيق الوطني الجامع.
القوات اللبنانية: صمت حتى إشعار آخر
أما “حزب القوات اللبنانية”، فلا يزال يلتزم الصمت بشأن قراره بخوض الانتخابات في الجنوب الثالثة. علماً أن القوات كانت قد امتنعت عن الترشح في الدورة الماضية، مفضّلة دعم مرشحين في بعلبك وزحلة ضمن حسابات انتخابية أوسع.
هذا التريث قد يكون مرتبطًا بانتظار نتائج اتصالات تجري مع “الاشتراكي” وبعض الشخصيات المستقلة، لتشكيل لائحة جامعة، خاصة إذا كان هناك قرار إقليمي بدعم معركة واضحة ضد “الثنائي”.
أخيراً.. تتجه دائرة الجنوب الثالثة إلى معركة انتخابية على صفيح ساخن، مع ثبات واضح في صفوف الثنائي، مقابل تشتت وتعدد في معسكر معارضيه. فبين عودة “المستقبل” غير المكتملة، وصمت “القوات”، وتشرذم “قوى التغيير”، تبقى المعارضة عاجزة عن إنتاج لائحة موحدة ببرنامج واضح.
وفيما تشكل نسبة المشاركة الاغترابية عنصرًا متغيرًا قد يقلب بعض التوازنات، تبقى الحقيقة الأبرز أن المعركة المقبلة لن تكون سهلة على أحد، لا على الثنائي في الدفاع عن معاقله، ولا على خصومه في محاولة الخرق وسط بحر انتخابي بالغ التعقيد.