Header Image

ماهو المطلوب من الأمة تجاه الواقع الذي تتخبط فيه ؟

 

*والأخطار التي تتقدم نحوها !*

*الشيخ مظهر الحموي*

رئيس لجنة الدعوة والمساجد وحماية التراث في المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في الجمهورية اللبنانية

من حق المسلمين اليوم وفي كل يوم ، أن تستنير نفوسهم بنور القرآن ، وأن يستلهموا أمجاد الإنتصارات التي تتابعت، وهم يخوضون غمار الجهاد ، إعلاءً : لكلمة الله، ودفاعاً عن كرامة المسلمين، وتحريرا لأوطانهم التي سطا عليها المعتدون في أيام التخلف والخلاف .

ففي كل يوم يأتي على المسلمين ، وبلادهم متشحة بالسواد ، وهم يتجرعون كؤوس المرارة ، وينتابهم جزع شديد على وجودهم وحقوقهم.

وكما تعلمون أن أعداء الإسلام يناصبون العداء بشكل حاد ودائم ، لأنهم يدركون القوة الذاتية للإسلام ، وما يمتاز به هذا الدين من تفوق وغلبة ، وما يجده في نفوس المسلمين من قيم العزة والكرامة.

ومن شأن أعداء الحق وأعداء الحرية ، أن تمتلئ نفوسهم حقدا على دعوة الحق وعلى دعاة الحرية .

والمشكلة ليست في موقف الأعداء من الإسلام والمسلمين، بل المشكلة هي في موقف المسلمين من أنفسهم ومن الإلتزام بتعاليم الإسلام .

فإذا كان مسلسل العدوان على الإسلام والمسلمين لا يتوقف ، فأين هو موقف المسلمين من وعيهم على حقيقة رسالتهم ، ومن إلتزامهم بموجبات هذه الرسالة.

وإذا كانت الحملات مستمرة ضد الإسلام والمسلمين ، فإن ما يدبر حاليا ويحاك أخطر من كل ما سبق ، برغم من كل ما يلوح في الأفق من تحرك إسلامي .

واليوم كما ترون تتوحد الجبهات المناوئة للإسلام ، وتكثر الدعوات في الشرق والغرب لإتخاذ الإسلام عدواً وحيداً يجب القضاء عليه ، وتلوح في الأفق الدولي مؤشرات تنحو هذا المنحى العدائي ، مستغلة واقع المسلمين لمحاصرة الإسلام والإجهاز على نموه وتقدمه .

والمطلوب اليوم من الأمة المسلمة تجاه هذا الواقع المرير الذي تتخبط فيه ، والأخطار الكبيرة التي تتقدم نحوها ، أن تكون قادرة على المواجهة والمنازلة وذلك ضمن محاور ثلاثة:

*المحور الأول* : إعداد الأمة إعداداً سليماً للعودة الى أصول الإسلام ، وما يقتضي ذلك من وعي يحقق للمسلمين الإهتمام بالقضايا الكبرى ، والانشغال بما يعود عليهم بالوحدة.

*المحور الثاني* : إعتماد منطق القوة الذاتية ، بما يفرض التحرر من الإعتماد على الأعداء إقتصادياً وعسكرياً وسياسياً .

*المحور الثالث* : الغاية بالتخطيط المستقبلي لكل التوقعات وتوظيف الطاقات المادية والمعنوية في التصدي لأي طارئ بموقف جماعي .

ومن المؤسف أن التحرك حول المحور الأول يشوبه كثير من المشكلات ، فهناك المزيد من الأخطاء التي تلقى في ساحة الدعوة الإسلامية ، بسبب الوسائل والطروحات التي يعتمدها البعض ، تتضمن مخالفات مصادمة لروح النهضة الحقيقية ، وبسبب التطرف الذي تمارسه بعض الأنظمة بمطاردة الإسلام ، وبسبب الغربة عن الإسلام التي يعاني منها كثير من المسلمين .

وأما لجهة إهتمام الأمة بقوتها الذاتية ، فالمشاهد أن أمتنا لا تشكو من فقر في أسباب ووسائل هذه القوة المتوفرة لديها على كل صعيد.

ولكن الأمة تفرط بها ، وتضعها أحيانا كثيرة في خدمة أعدائنا، جهلاً أو كسلاً أو تخلفاً أو…

فالأمة التي تمتلك أعظم مناطق العالم خصوبة وتجري في أراضيها أكبر الأنهار ليست بحاجة لترتهن حياتها وسياستها لحفنة من الدول الأخرى.

فالأمة التي تهاجر منها خيرة أدمغة نوابغها بحثا عن العمل هي أمة قادرة على القيام بنهضة علمية متفوقة.

والأمة التي تفيض خزائنها بالثروات قادرة على إنشاء المشروعات الصناعية الثقيلة ومنها الصناعة العسكرية التي تحررها من إستيراد سلاحها من دول أخرى، وحتى لا نبقى شحاذين أسلحة ومرتهنين من أعماقنا الى السلاح.

والأمة التي تتعرض لخطر الإبادة ولا تتقدم بمشروع لتوحيد سياستها وتكامل إقتصادها هي أمة تتقدم نحو الهاوية دون أن يدفعها أحد نحوها .

أما التخطيط المستقبلي، فهو الغائب الأكبر عن مناهج الأمة في عصر تقوم حضارته وقوته على الدراسات والإحصاء والتوقعات.

إن الآخرين يضعون الخطط والبرامج التفصيلية والإستراتيجيات لعصر قادم ، من أجل إستيلاء على أوضاع تتفق مع مصالحهم وتلبي طموحاتهم ، كما يرسمون الخطط التفصيلية للسيطرة على العالم الإسلامي ، ومنع تقدمه ، وبث الفرقة بين أبنائه وإستغلال ثرواته.

إن حالة الإسترخاء التي تخيم على العالم الإسلامي أدت به الى استمرار العجز ، وقادته للإقرار بمنطق الخصم ، والإستسلام للمتغيرات التي تنفذها الدول الكبرى.

بينما يعلّل المسلمون أنفسهم بإقتراب سقوط الحضارة العالمية ، على أمل أن يدق العالم أبوابهم ضارعاً إليهم لينقذوه من شقوته.

وإذا كانت حضارة العصر قد أشرفت على السقوط فلا يعني هذا بطبيعة الحال أن البديل المطلوب هو عند المسلمين ما لم يكن عندهم القدرة على القيام بالدور الإسلامي الذي يستدعي بنجاحه وبتفوقه إهتمام العالم .

فهل يغري واقع العالم الإسلامي شعوب العالم لتتقدم منه ، وتستفتيه في علاج امراضها وتصويب مناهجها ؟ .

وهل إستطاع العالم الإسلامي أن يشفى من أمراضه الخاصة ليتحول الى طبيب عالمي قادر على معالجة أمراضه البشرية؟ .

هناك فارق كبير بين حقيقة الإسلام وواقع المسلمين ، وهناك بون شاسع بين المبدأ والتطبيق ..

ومن هنا يقع العالم الإسلامي فريسة أي عدوان ، وتنتهي حركاته دون موقف إسلامي رادع ، وتتلاحق الهزائم على إمتداد الساحات ، لأن المسلمين يشعرون بالخوف من التحرك ، ومن التقدم ، ومن التوحيد ، ويكتفون بالشجب والندب ، ويعللون النفس بتذكار الإنتصارات التي حققها الأجداد الأقدمون.

إن المسلمين يقفون اليوم على مفارق بالغة الخطورة ، وبيدهم وحدهم أمر خلاصهم ، وخلاص العالم ، إذا هم حددوا الهدف ، وسلكوا به الطريق المستقيم.

*اخوكم الشيخ مظهر الحموي*

عضو اللجنة القضائية في المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *